قيادة كيا كي 8
في الحقيقة، لم أكن يومًا من عشاق السيارات الآسيوية المخلصين، إذ أنني كنت أرى فيها دومًا طرازات رديفة ذات كلفة معتدلة وإعتمادية عالية للطرازات الأوروبية الفاخرة التي كانت (وربما لاتزال) رأس الحربة في مجال التطوير والإبتكار، تصميمًا كان أم هندسيًا، وبذلك إتخذت السيارات القادمة من الجزيرة اليابانية، ومن بعدها شبه الجزيرة الكورية الجنوبية، موقع اللاحق لصناعة السيارات العالمية الأخرى، لا المبتكر الجريء الذي لا يخشى الوقوع في الخطأ وهو يحاول فرض فلسفته على الصناعة، ولعب دور الريادة فيها.
ولكن اليوم، تغير هذا الأمر، ففيما تتجه صناعة السيارات العالمية لتعزيز دور مركبات الـ أس يو في أكثر فأكثر من خلال تصاميم رتيبة بعض الشيء لطرازاتها السيدان الصغيرة والمتوسطة في مواجهة خيارات الإستخدام المتعدد التي توفرها بأبهى حلة، لا ترغب صناعة السيارات الكورية برفع علم الإستسلام الأبيض في وجه غزو مركبات الإستخدام المتعدد من خلال التركيز على أبرز ميزة في سيارات السيدان، الميزة التي لا تستطيع الخيارات المرتفعة الخلوص والعالية العملانية أن توفرها بنفس النسبة، أي التصميم الساحر والخطوط المنسابة. ولعل نظرة مقارنة صغيرة على بي أم دبلو أكس 5 مقابل شقيقتها السلسلة الخامسة أو مرسيدس أي كلاس مقابل شقيقتها جي أل أي كفيلة بجعلك تُدرك هذا الأمر بوضوح.
والسيارة التي نختبرها اليوم هي الدليل الأكبر على الروح الريادية الجديدة التي تدب في عروق صناعة السيارات في كوريا الجنوبية حاليًا، فـ كيا كي 8 تتمتع بخطوط خارجية عصرية، أنيقة، راقية، ريادية ومبتكرة إلى أقصى الحدود، الأمر الذي يجعلها ملفتة للنظر بنسبة كبيرة رغم أنها لا تتمتع بخلوص مرتفع ولا توفر لسائقها ذلك الاشراف المميز على الطريق الذي توفره شقيقتها تيلورايد على سبيل المثال.
وبشكلٍ عام، تشهد كيا نهضة أخرى بعد النهضة التي نالتها قبل حوالي 15 عامًا، بدأت هذه النهضة الجديدة من الشعار الجديد، وتسمية الطرازات برموز أبجدية رقمية مبسّطة، وتركيز على التصاميم الأكثر جنونًا من أي وقتٍ مضى. أول طراز إنتاج يرتدي الشعار المعاد تصميمه ولغة التصميم الجديدة هي كي 8 سيدان الجديدة.
أول شيء تلاحظه مع كي 8 في الخارج هو ليس فقط شعار كيا الجديد، بل أيضًا شبكة التهوية الهائلة والتي تتخذ برأي الشركة شكل أنف النمر، إلا أننا نرى فيها شكل فك سمكة الهامور عندما تفتح فمها واسعًا لإلتهام الفريسة . الشبكة بدون إطار، لذا فهي تبدو وكأنها جزء متكامل من المصد، وتتميز بنمط ماسي معقّد يتردد صدى إشارات الانعطاف LED الموجودة أسفل المصابيح الأمامية. إنها مميزة للغاية، ولا تشبه أي سيارة كيا أخرى معروضة للبيع حاليًا. يبدو أيضًا أنّ الشبكة الجديدة يمكن ترجمتها بسهولة إلى سيارات كهربائية عن طريق إغلاق بعض العناصر الماسية
وعلى غرار شقيقتها كي 5، تتمتع كي 8 بمظهر جانبي معزّز بسقف منحني حتى المؤخرة ولكن صندوق سيارة سيدان تقليدي، حيث أعلنت كيا أنه يتم إعادة تعريف سيارات السيدان التقليدية على أنها سيارات ركاب فاست باك. جوانب كي 8 تظهر بشكلٍ أنيق وغير معقّد.
ولكن الخطوط الخارجية ليست كل الرواية مع كي 8، فما هو ربما أهم من التصميم الخارجي المثير في K8 هو تصميمها الداخلي المذهل للغاية، والذي يبدو متطوّر بنسبة كبيرة، إذ تربط الشاشة المنحنية بين شاشتين مقاس 12 بوصة، إحداهما لمجموعة المقاييس والأخرى للترفيه، وهي ميزة من المرجح أن تنتشر عبر تشكيلة كيا. كما تمّ تثبيت أدوات التحكم في المناخ على لوحة حساسة للمس يمكنك من خلالها التنقل عبر أوضاع مختلفة، ولكن هناك مفاتيح فعلية لتعديل درجة الحرارة. المقود يحمل بدوره تصميم جديد، أما التحكم بعلبة التروس فيتم عبر مقبض دوار يحاكي ما يتوفر في طرازات جينيسيس.
شاشة نظام المعلومات والترفيه تتخذ مكانًا لها فوق قطعة ضخمة من الخشب تمتد على لوحة القيادة ذات نمط ماسي محفور عليها، مما يُضفي على المقصورة رونق خاص يوحي بالفخامة والرقي، أما خلف الشاشة وعلى ألواح الأبواب فتتمتع مقصورة كيا كي 8 بلوحة معدنية تحتوي على فتحات تهوية ومكبرات صوت لنظام الصوت Meridian. ويمكن العثور على المزيد من الخشب على حشيات الأبواب والكونسول الوسطي، وهناك كميات كبيرة من جلد نابا بالحياكة الماسية في جميع أنحاء المقصورة الداخلية. بالإضافة إلى الإضاءة المحيطة في ألواح الأبواب، تحتوي كي على ما تسميه كيا إضاءة Star Cloud ، والمصابيح التفاعلية اللامعة المنقطة في أنماط ماسية على خشب لوحة القيادة وحافة الأبواب المعدنية
ميكانيكيًا، تتمتع كي 8 بخيارين من المحركات، الأول يتألف من أربع أسطوانات سعة 2.5 ليتر يولد قوة 195 حصانًا تصل إلى العجلات الدافعة عبر علبة تروس أوتوماتيكية من ست نسب، أما الخيار الثاني فهو محرك من ست أسطوانات مثبّتة على شكل الحرف V يولد قوة 296 حصانًا تصل إلى العجلات من خلال علبة تروس أوتوماتيكية من ثماني نسب.
على الطريق، تعمل المنظومة الميكانيكية بالتعاون مع جسم السيارة المدروس إنسيابيًا والمنظومة الديناميكية على توفير إنقيادية سلسة تسمح للسائق ومرافقوه الركاب من التنقل بكل راحة ضمن مقصورة رحبة، خاصةً على المقاعد الخلفية التي توفر أيضًا مساحة مناسبة لرؤوس الجالسين عليها رغم خط السقف المنحني نحو الاسفل.
ولعل أبرز المميزات العملانية التي تتوفر لدى سيارات كيا وهيونداي حاضرة هنا على متن كي 8 من خلال العدادات التي تتحوّل إلى شاشات تعرض تصوير كاميرات مثبّتة على المرايا الجانبية عند تفعيل إشارات الإلتفاف، الأمر الذي يُسهّل عملية تغيير المسار خلال القيادة ويجعل من الصعب على السائق أن يغفل التأكد من سلامة المسار وسلامة الإنتقال من حارة إلى أخرى.
في الختام، يكفي أن نقول بأننا نحترم كيا ونقدر لها محاولاتها الكريمة بالمحافظة على سيارات السيدان التي تبقى في النهاية تراث عريق في عالم السيارات تراث يجب أن نتمسك به رغم إغراء مركبات الإستخدام المتعدد المتعاظم.